متى أدركتَ أنك كبرتَ فعلا؟
تلك اللحظة الفارقة في حياتنا، التي تُشعرنا، حقًا، أن مصيرنا وقراراتنا قد صارت انعكاسًا خالصًا لنا وحدنا.
لا مجال لإلقاء اللوم على الآخرين، وخاصة والدينا.
تجد نفسك تسبح في محيط شاسع، وكأن أحدهم ألقى بك هناك على حين غفلة، بينما كنت لا تزال على متن السفينة، تستشعر نسائم البحر ودفء الأمان… فتسأل نفسك: كيف أمسى البحر محيطًا بهذه السرعة؟
لم أتعلّم بعد عبور المحيطات، ولا لغة الأمواج العاتية…
الكثيرون ممن أعرفهم يقولون إنهم شعروا بأنهم كبروا، واستقرّ هذا الإحساس في أعماقهم، حين غادروا المنزل العائلي لأول مرة — سواء كان ذلك للدراسة في مدينة أخرى أو للعمل — إذ ارتبطت مرحلة “النضج” لديهم بمسؤوليات الوظيفة، وسداد الفواتير…
قالت لي صديقتي ذات يوم إنها تشعر بثقل الكِبَر كلّما زارت تونس… ففي كل زيارة، تلمح بصمة الزمن قد حفرت خطًّا جديدًا على جبين والديها، لم تعهده من قبل…
تدرك حينها أن زيارتها مرتين في السنة تعني فقط عشرين لقاءً في عشر سنوات…
ترهبها الفكرة، فتطردها برفع كفيها نحو السماء، وتدعو بكل رجاء أن يطيل الله في عمر والديها.
فعلاً… هي لحظة فارقة، لحظة وعي تشبه الارتطام، قد تحمل معها مزيجًا غريبًا من الخوف والحرّية، وشيئًا من الحزن الدافئ على فِقدان جزء من سذاجتنا الطفولية ولا أظنها تغادرنا للأبد، حتى وإن أقنعنا أنفسنا بعكس ذلك.
أما بالنسبة لي، فقد أدركت أنني كبرت حين أيقنت أنني وحدي مَن يتحمّل مسؤولية قراراتي وأن الحرّ، حقًا، يختار… فكيف سأختار؟
قد يبدو الأمر بديهيًا، لكن الحرية الحقيقية تسكن هناك، حيث نواجه أنفسنا، حيث نُصارحها بلا مراودة ، وننظر في أعيننا الداخلية دون ارتجاف أو قناع… الصدق مع النفس ليس أمرًا عابرًا، بل تمرين متواصل على النزاهة. شعرت أنني كبرت حين لامستُ كل هذه المعاني بقلبي، لا بعقلي فقط…لم تكن جديدة، ولكن لحظة إدراكها بعمق، كانت لحظة فاصلة لا تُنسى.
في مجتمعاتنا العربية، نهوى — أو لعلنا نرتاح — في إلقاء اللوم على الظروف، الطقس، الأستاذ، حتى الحظ العاثر.
لكن أغرب ما نُلقي عليه اللوم هو “المكتوب”… أو ”قدر الله“. رأيي الشخصي أن هذا يعود إلى ضعف في فهمنا العميق للقضاء والقدر… كبرت حين بدأتُ أفهم أن القدر لا يُقصينا عن مسؤولية الاختيار وأن الله، سبحانه، وهبنا حرية المشيئة، ودعانا إلى التدبّر، وإعمال الفكر، والنظر في دواخلنا ومحيطنا.
فكيف نُحمّل القضاء والقدر وزر قراراتنا؟ أهو هروب من مسؤوليتنا؟ أم تنصّل منها لأن التغيير مؤلم، ومواجهة الذات أكثر وجعًا؟
كبرت، حين بدأتُ أفهم… ولا زلت أُدرك…ولكن تلك كانت لحظتي الفارقة.
أدركت أنى كبرت حين صار جميع أصدقائى متزوجون و انا العازب الوحيد
أدركت أنى كبرت عندما تبلد عندى الإحساس و صار الفرح و الحزن تقريبًا سواء
أدركت أنى كبرت عندما تلاشى إحساسى بضرورة السعى لتحقيق أهداف
أدركت أنى كبرت لان شعرى الأبيض فى إزدياد