"و إذا كانت النّفوسُ كِبارًا".. عن مفارقة الطّموح والواقع
في حديث لي منذ أسابيع مع أستاذةٍ عن معنى الرّضا، الطّموح، والواقع.. ذكّرتني بقول المتنبّي "و إذا كانت النّفوسُ كبارا .. تعِبَتْ فِي مُرادِهَا الأجسامُ"..
لم يفارقني صدى تلك الكلمات منذ ذلك اليوم .. تفكرّت فيها لمدّة أسبوع .. حتّى أنّي بحثت أكثر عن معنى البيت الشّعريّ، لا شكّ أنّه حرّك فيّ مزيجا من المشاعر.. وكأننّي وجدت نفسي نوعا ما بين حروفِ البيت وقافيته…
المعنى الطّاغي الذّي وجدته في بحثي يُفسّر أنّ الإنسان إذا كان كبير الهمّة وطلب معالي الأمور التّي لا تُدركُ بسهولة يجهد نفسه ويُتعِبُ جسمه..
بيد أنّني أذكر حين كنت في الصفّ الثامن أي في عمر ١٣ كتبت لي استاذة الإنجليزية في دفتر الأعداد في خانة الملاحظات الآتي
" لو تعلقت همّة المرء بما وراء العرش لناله".. أذكر أنّ نتائجي كانت ممتازة في مادّة الأنجليزية تراوحت دائما بين ١٧ و ١٩ من ٢٠ .. بل كنت الأولى أو الثانية في القسم في المادة غير أنّ أستاذتي إنتظرت منّي علامة كاملة ذالك لتقديرها أننّي أستطيع. .. و هكذا دواليك.. قضّيت سنينا طويلة مؤمنة أنّ المرء إذا أراد شيئا تُسخّر له "الرّياح و السّفن"… كبِرتُ و كبُرَت أحلامي معي و جررتها معي جرّا.. لم أتخلّى عن أي حلم .. بل أضفت المزيد مع الوقت … لم أكن أسمح لنفسي بالتخلّي عن أحلامي و قد نصحني البعض بالواقعية و كم كنت أكره هذه الكلمة و أقول لنفسي أنّ الواقعية تقتل الأحلام و الطّموح وأنّ لولا هؤلاء الذين لم يتخلّوا عن أحلامهم لما عرفت الإنسانية الكثير من الإنجازات.
مرّ الوقت.. حققت بعضا من أحلامي.. و بقي الكثير بل ظلّ أصعبها في نظري… و أصبحت أرى بعضا منها و كأنّه حمل ثقيل، تحوّلت الأحلام إلى ضغوطات … حتّى أنّ جسمي تعبَ في فترة ما وأعرض عن العمل، إذ لم يكن يستجيب لأوامر عقلي.. و كأنّ حال الواقع يقول "رفعت الجلسة و جفّت الأقلام و تعب الجسدُ في مراد النّفس… فصدق المتنبّي."
ولكن، ظلّت فتاة الثالثة عشر في داخلي تصارعني أنّ "للحلم بقيّة" و ظلّت شعارات الأمل التّي سمعتها في فيديوهات منصّة TEDx وغيرها من هذا القبيل ترنّ في ذهني.
مرّ الوقت مرّة أخرى.. أدركتُ أنّ أحلامي هي الأخرى تغيّرت.. وأنّ الحلم إذا أنهَكَ الجسد و الرّوح ربّما يكون الأحرى بي أن أتوقّف للحظات و أسأل نفسي: لمن ينتمي هذا الحلم حقّا؟ أوجب التّخلي عنه؟ متى صار هذا الحلم حلمي و في أيّ ظروف و مرحلة في حياتي؟ وهل مازلتُ أشعر بالانتماء إليه؟ هل يعكس حقيقتي الآن؟
"إذا كانت النّفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام“ أدرك الآن أنّ هذا البيتَ ليس بدعوة لتقليص الطّموح .. بل لمعرفة النّفس أكثر و الرّحمة بها ولله المثل الأعلى فهو لايحمّل نفسا إلاّ وسعها.