هذه المدونة جزء من سلسلة مدونات أشارك فيها بعض الدروس التي تعلمتها والأسئلة التي شغلتني هذا العام. في مدونتي السابقة، أخبرتكم عن رغبتي في الانتقال من "القصص الحقيقية" إلى ما أسميه "الخيال المبني على الواقع". وفي هذه المدونة، أخبركم عن مشواري لوجهة جديدة في هذا العالم، وجهة لا أعرف لا إن كنت سأصل إليها يومًا ولا إن كنت سأحبّها لو وصلت.
***
قبل فترة قصيرة، قرأت مقالًا حسبته موجهًا لي، إذ يقول الكاتب إننا نعيش في عصر "التشتُّت"، ويُحذِّر من الانجرار وراء الرغبة في معرفة كل شيء. لديه وجهة نظر مُقنعة بالفعل، فمن يحمل "سبع بطيخات" لن يصل بها كلها، ومن يسعى إلى معرفة كل شيء لن يتقن شيئًا واحدًا حد الكمال، وهذا بالضبط ما حدث معي على مدار ٣٧ عامًا من الحياة.
بيد أنني لا أستطيع أن أقاوم فضولي. يتحدَّث هو عمّن يخوض كل هذه التجارب ليعرضها لعامة الناس، وكأنه يقول "ها أنا هنا، صفقوا لي". رُبما أكون قد مررت بهذا الفراغ في وقتٍ ما، ولكن ما يُحرِّكني الآن هو فضول خالص، رغبة جامحة في معرفة ما قد تقدمه الحياة لو عشناها أكثر من مرة.
جرَّبت ممارسة اليوغا منذ زمنٍ بعيد. توقفت، وعدت، ومن ثم توقفت مرة أخرى لأعود لاحقًا. فكرت في الانضمام لدورة تؤهلني لأصبح مُدرِّبة ثم عدلت عن الفكرة، فأنا لست ذكية بما يكفي في مجالات معينة وأعي ذلك تمامًا. قد أقضي الساعات والأيام، وربما السنوات، في مراقبة سلوكيات الناس وتحليلها وتوثيقها، ولكنني لا أصرف من طاقتي الذهنية لمعرفة كيفية التوازن على رجل واحدة بطريقة علمية أو أي العضلات ضرورية لتحسين هذه الوضعية أو تلك، فهذا ذكاء قد لا أملكه ولكنني أستمتع بتعلُّمه على يد المُدرِّبين الماهرين.
كما إن شخصيات مدربي اليوغا، في العادة، لا تشبهني. أشعر أنهم متصالحون مع العالم، يعيشون بسلام ويتمنون السلام للجميع بينما أنا أعيش بسلام تارة وأغضب جدًا تارة أخرى، ويعز علي أن أتخلص من هذا الغضب لأتمنى للجميع الخير والمحبة والسلام. لديهم من الصبر ما يكفي لتحسين وضعيات الناس وعدم الاستهزاء بأحد. أستمتع أنا بنقل المعرفة والتدريس إن كنت بالفعل ماهرة في مجالٍ ما، ولكنني أشتم في سرّي كثيرًا، ثم ألوم نفسي، وأعود للشتم، بينما أراهم يتقبلون كل شيء بصدرٍ رحب في الوقت الذي أكاد أفقد صوابي أنا لو لم تسر حياتي كما أريد. لا يشبهونني باستثناء واحدة التقيت بها في تونس، وكانت الأغرب في حياتي، كانت تنظر إلى الواحد منا وتقول "ياااه وضعية جميلة (باستهزاء) من الذي علَّمك إياها؟ ماذا تفعل هناك بحق السماء؟". رُبما تكون هذه المدربة الأقرب إلى شخصيتي الآن، ولكن من يدري؟
انضممت أخيرًا لهذه الدورة لأسباب متعددة، منها رغبتي في تحدي نفسي وقلة مهارتي في مجالٍ ما، ورغبتني في الاستمتاع بحركة جسدي خصوصًا بعد أن مررت بتجربة ولادة قيصرية لا أملّ من ذكرها حين أعجز عن الاستمرار في وضعية معينة، وكأنني أقول "كنت بارعة ثم أنجبت". الحقيقة أنني كنت جيدة، ثم أنجبت، وأريد أن أجرّب ما عجزت عنه لفترة من جديد. هناك سبب آخر وهو أنني مللت فعلًا من الترجمة التي ينافسني فيها الذكاء الاصطناعي، وأتمنى أن أمارس نشاطًا آخر لا يتطلب نفس المهارات ويأخذني رغمًا عني إلى عوالم مختلفة.
العالم واسع جدًا، ولا أريد أن أضيق حدودي لمجرد أن أتقن الأشياء وإن كنت أحب ذلك. أريد أن أُجرِّب، فإن أتقنت "خير وبركة"، وإن لم أتقن، فلا حرج من المحاولة طالما أن الكلفة ليست طائلة. سأكون قد درَّبت جسدي على حركات جديدة أشعر فيها بخفة رائعة وربما أتجاوز العلاقة المُتشنجة مع جسدي بعد الولادة القيصرية.
أشعر بالحيرة أحيانًا حين أعرف عن نفسي، فأنا كاتبة ومترجمة وباحثة وأحيانًا صحفية، والآن مدربة يوغا؟ من يدري؟ لا أحد ولا حتى أنا، ولا بأس بذلك.
ومدرس فرنساوي لحد ما يجيبوا مدرس فرنساوي
ومدرس فرنساوي لحد ما يجيبوا مدرس فرنساوي