استيقظت ذلك اليوم وأنا أواجه شعورًا بالثقل الشديد وعدم الرغبة في الخروج من المنزل. في تلك الأيام التي أشعر فيها أنني لست في حالة جيدة، أستسلم تمامًا ولا أقاوم أي من مشاعري. أحاول الاسترخاء فقط حتى أفهم لماذا يزورني من وقت لآخر الشعور بعدم الرغبة في مواجهة العالم.
لا شيء يعيد رغبتي في مواجهة الحياة مرة أخرى قدر محاولاتي لإحياء حب الحياة بداخلي، الحياة التي طالما ارتبطت لدي بالأصوات التي تحيط بي والصور التي تلهمني، حتى أستطيع التغلب بها على أي صوت داخلي يجبرني على التقوقع.
تطورت علاقتي بالصوت منذ طفولتي، فاندمجت معه وكان دائمًا وأبدًا الحل المناسب لجميع مشاكل القلق، فأنا دائمًا محاطة بأصوات أصبحت بمثابة أصدقاء لي في الوقت الحالي من حياتي، مثل صوت كلاكسات عربات الشارع الرئيسي الذي أسكن به، صوت القطط وهي تتصارع في ساعة متأخرة من الليل، صوت جارتي الجديدة التي تنادي على حارس العمارة من منزلها في الدور الرابع رغم وجود هاتف داخلي يصل له، صوت قطي يناديني لأضع له مزيدًا من الطعام، صوت صمتي أحيانًا.
أنا شخص يلاحظ ولا ينتبه، ألاحظ مشاهد قد لا يلاحظها غيري في الطريق، كملابس الناس، تصاميم البيوت، تفاصيل الشوارع، المحادثات الخفية، النظرات بين الناس، مشاعر متبادلة بين شخصين لم يعلنا عنها بعد، ولا أنتبه لعدد طوابق العقار الذي أسكن به، كم يبلغ عدد أطفال حارس العقار، نوع سيارات أصدقائي، ماذا ارتدت صديقتي اليوم..
زارتني أمي في منزلي للمرة الأولى مؤخرًا فذكرت لي كم جارة لدي وكم طابق في العقار وكيف أنها تلاحظ وتنتبه لبائعة الخضار في الشارع المقابل والعصافير التي تزور شرفتي وقت الشروق، وكل ذلك في ٢٤ ساعة تفوقت فيها على ما يقارب أربع سنوات من إقامتي في نفس المنزل.
على الرغم من ملاحظاتي المرئية، تبقى علاقتي بالصوت أقوى بكثير من الصورة، فقد قضيت معظم سنوات طفولتي أستمع للراديو مع أمي. تحفظ هي مواعيد برامج الشرق الأوسط، تعرفني على المذيعين المفضلين لديها، ومن ثم تتذكر عند الخامسة مساءً يوميًا بدء برنامج تسالي بصوت إيناس جوهر، التي تفتتحه برباعية لصلاح جاهين يقول فيها "غمض عنيك وامشى بخفه ودلع، الدنيا هى الشابة وأنت الجدع، تشوف رشاقة خطوتك تعبدك، لكن أنت لو بصيت لرجليك تقع! وعجبي"
في ذلك اليوم المثقل، تذكرت ما نصحتني بها مرارًا وتكرارًا السيدة إيناس جوهر، ألا أنظر لقدمي حتى لا أقع.
أواجه الحياة بصوتها وأصوات أخرى تساعدني على التخلص من أي نوبة قلق أو ثقل، كصوت الراديو، صوت الشارع، لحظات صمت بعد مناقشة طويلة مع صديقة في وقت تمشية حول المنزل. وفي أحيانٍ أخرى، أواجهها بتغيير نظري ونظرتي من المسافة الأقرب لي لأماكن أبعد تريني الجمال فتعطيني أمل في الدنيا وشغف لاستكمال الملاحظة والرؤية والاستماع وبالتأكيد الاستمتاع.
لا شئ يعيد تواصلي مع الحياة سوى الخروج خارج مساحاتي المعتادة حتى ترى عيني مساحات مختلفة تضيف نوعًا جديدًا من المعرفة التي تملأني بالرضا وكأنني لم أقلق أو احزن يومًا قط، تلك اللحظات التي أكون فيها في الوقت المناسب في المكان المناسب مع الشخص المناسب.
—
*الرجاء مساعدتي أنا ولينا على تطوير محتوى "على سفر". نرجو أن تمنحونا دقيقة واحدة من وقتكم لملء هذا الاستبيان.
*محتوى إضافي عن إيناس جوهر
عجبتني اوي المقالة يا مي 😍 بفكر في الاصوات في حياتي…شكرا على المشاركة 😍
تحفهههه ياريت لو تسجليها صوت ❤️