أتساءل عن السر الكامن في شوت اسبريسو وإضافاته، الذي قد أقف لأجله وأنتظر دوري في طابور طويل من البشر الذين يسجلون طلبات وإضافات ويذكرون أسماء طويلة لأشياء لا أعرف نصفها، وكل ذلك لأطلب طلبًا معتادًا واحدًا: واحد كابتشينو من فضلك.
أفضل الكافيهات الصغيرة في الهواء الطلق، وأشجع الكافيهات المحلية منذ الأزل وقبل بدء ثورة المقاطعة بكثير. مع بدء مشوار المشي اليومية، أشعر بالانتعاش بمجرد طلب كوب كابتشينو من السيدة الفلسطينية المصرية اللطيفة، التي تمتلك مقهى بجانب بيتي، أحبها لأنها تعرف طلبي، وتهتم لأمري فتسألني عن أحوالي قبل أن تبادر بالسؤال: ها كابيتشينو زي كل مرة؟ فطرتِ أهم حاجة؟
يدور بيننا حوار سريع لا تزيد مدته عن خمس دقائق، قد تشاركني فيه صاحبة الكافيه أمرًا مهمًا للغاية، وقد تحدثني عن هدف تدعمه هذه الأيام، ثم تودعني قائلة "أنتِ دايمًا كده مستعجلة".
في واحدٍ من حواراتنا، شرحت لي لماذا يرحب هذا المكان بالحيوانات الأليفة والطيور، إذ تعتبر هذه السيدة اللطيفة المقهى بمثابة صالون بيتها، وتعامل كل من يأتي من الزوار، سواء أكان من البشر أو الطيور أو الحيوانات كضيف لديها. هكذا تقوم صاحبة المقهى برعاية كل كائن حي في هذا الشارع.
أطلب القهوة يوميًا، لربما لأنني اشعر بأنني أصبحت مثل لورلاي في "جيلمور جيرلز"، أرغب في احتساء القهوة كلما شعرت بالضغط، وأشعر أحيانًا بأنها طريقة أستخدمها للهروب من الضغوط اليومية، حتى لو كانت هذه القهوة هي ذاتها سببًا لزيادة التوتر بحسب العلم. نصحني كل من حولي بأن أكف عن شربها، لأنها مؤذية لصحتي، ولكنني لا أستطيع حتى التحكم بالأمر. إنه شعور تجربة المستخدم، فكلما شعرت بأنني لا أرغب في العمل، أنهض لأحضر كوبًا من القهوة. اشتريت مؤخرًا أصغر ماكينة قهوة في العالم ووضعتها في بيتي، ولكنني ما زلت أخرج لشراء كوب من القهوة من وقتٍ إلى آخر من كافيه محلي، لأن التجربة لطيفة وأحبها وحسب.
تجمعني صداقة بالقهوة والمشي، فلو كنت صديقي بالفعل، لكنت عرضت عليك القهوة والمشي سويًا، تطلب أنت ما تشاء وأطلب أنا كابيتشينو ونتمشى سويًا حتى نرهق أقدامنا. أتمشى وحدي معظم الوقت، ومن ثم أنهي المشوار بكوب من القهوة كنوع من المكافأة. أعلم علم اليقين أن شرب القهوة يفتح الباب لأحاديث عميقة من القلب، وسيكون الإنسان على طبيعته بشكلٍ أكبر فيها، ولربما تُفتح صفحة جديدة في صداقتنا عندما نتمشى ونشرب القهوة سويًا.
أكتب هذه الخاطرة اليوم بعد كوب الكابتشينو ومشوار المشي، وقبل بدء ماراثون العمل اليومي وأتساءل: من كان ليعينني بعد الله غير ذلك الـ"واحد كابيتشينو"؟