حاولت كثيرًا تأجيل كتابة هذا النص، فأنا لا أعتبر نفسي كاتبة، آخر مرة كتبت فيها كانت منذ أكثر من سنة. لكنني هذه المرة قررت ألا أخاف وقبلت التورط. نعم، الكتابة بالنسبة لي ورطة، تجعلني قلقة ومتوجّسة.
توقظني في منتصف الليل أحيانًا لأكتب فكرة، أكتبها تارة وأستجيب للشكوك والكسل ولا أفعل شيئًا تارة أخرى.
قبل بضعة أيام من محاولة الكتابة، بحثت على يوتيوب عن فيديوهات حول ماذا نفعل بشعور الوحدة. شاهدت فيديو للطبيب النفسي الشهير غابور ماتيه، فنمت وأنا أفكّر أنه ربما عليّ أن أعود إلى الكتابة، لعلّها تحاوط ذلك الشعور المتسرسب في داخلي ، فلا يستطيع التمدد ولا الهرب، فيذوب من تلقاء نفسه.
لا أعلم متى تسرّب لي الشعور بالوحدة، هل حدث ذلك عندما مات حاتم علي فشعرت أنّ جزءًا من وجداني قد مات؟ أم عندما توفي والد صديقتي فتيقنت أنني كبرت وصرت أخاف أن يرحل الذين أحبهم؟ أم عندما أخبرتني صديقة الطفولة أنها مصابة باللوكيميا فأنا لم أختبر فكرة الموت أبدًا قبل ذلك؟
منذ أن أتممت عامي الثلاثين وأنا أشعر أنني على مفترق طرق في حياتي وأنني يجب أن أتخذ الآن قرارات مصيرية.
أدندن أغنية ماجدة الرومي في فيلم "عودة الابن الضال":
“ايه العمل دلوقتي يا صديق غير اننا على افتراق الطريق؟"
الموضوع أبسط من ذلك، أقول لنفسي: أنا فقط بحاجة إلى أن أجد أشخاصًا أتقاسم معهم بعضًا من روحي وأفكاري، إلى أشخاص تجمعنا بيننا لغة مشتركة.
عندما دعتني لينا ومي للكتابة معهما وقرأت عنوان المدوّنة، سألت نفسي هل سأصل فعلًا؟ وإن فعلت، فمتى وإلى أين؟ هل أنا على سفر فعلًا أم أنني واقفة بل عالقة في مكاني؟ وهل السفر يعني الغربة وهل الغربة تعني السفر؟
في آخر مرّة سافرت فيها إلى إحدى البلاد الأوروبية، شعرت بالغربة الشديدة. البلاد هناك قاسية وموحشة وباردة، كانت قدماي ترتعشان وأنا أمشي من دون سبب واضح وأصابني دور برد شديد، تهت في المواصلات.
عند ركوبي طائرة للسفر إلى بلد آخر لأتكلم "كلام كبير" قدام "ناس كبار"، بكيت من شدة التعب حتى أن المضيفة الفرنسية أعطتني بسكوتة وجلست بجانبي وقالت لي: تنفسي. كنت حينها أريد العودة إلى بلدي المنهار، وأمي التي أتشاجر معها ١٠ مرات في اليوم، وبيتي الذي كثيرًا ما أملّ منه.
بعد عودتي ببضعة أشهر، بدأت الحرب الاسرائيلية على لبنان، وكنت أقرأ رواية كورية عن امرأة توحدت مع الطبيعة لدرجة أنها تحوّلت إلى شجرة لتواجه العالم القبيح.
أمّا أنا فتمنيت أن أصبح بحرًا لا نهاية له، يسبح في أعماقي أولاد غزة ولبنان، أحتضنهم وأهدهدهم بين أمواجي فيضحكون عاليًا ويخترق صوتهم السماء.
يبدو أنّ النص أوشك على الانتهاء، الحرب في غزة ولبنان كذلك، فأكمل الغناء
……..
لسه الطيور بتفنّ
والنحلايات بتطنّ
والطفل ضحكه يرنّ
مع ان مش كل البشر فرحانين
سرد جميل، أتمنى لك التوفيق