مقالتي تستند إلى تجربة شخصية لامرأة عربية مسلمة، توثق معنى وجودها في المساجد.
دائمًا ما أتساءل: ما دور النساء في المساجد؟ ولماذا يُثبط وجودنا فيها باستمرار؟
كفتاة عربية مسلمة، نشأت في مجتمع يسهُل فيه الوصول إلى مصادر الدين، كان من المفترض أن أجد في المسجد مساحة طبيعية للتعلم والانخراط في الحياة الدينية. لكن الواقع مختلف.
لماذا أرغب في التواجد في المسجد؟
رغم أن وجود النساء في المسجد ليس فرضًا كما هو على الرجال، فإن حاجتي للمسجد تتجاوز مسألة الصلاة. المسجد في مجتمعاتنا العربية ليس فقط مكانًا للعبادة؛ بل مساحة للتواصل الروحي والاجتماعي، خاصة لمن تعمل مثلي في بيئة عملية بحته. لكن في كثير من الأحيان، أشعر أن المسجد لا يرحّب بوجودي، أشعر أنني أسرق حقي في التواجد.
تقتصر المساجد غالبًا على أداء الصلوات، والقليل منها يفتح أبوابه لحلقات العلم. وفي حال وُجدت، تفاجئني دائمًا هشاشة تجهيزات قسم النساء: لا تهوية، لا صوت واضح، وأحيانًا لا مكان أصلًا. وفي بعض المساجد، يصبح من الواضح أن قسم النساء أُضيف كأنّه تفصيلة هامشية، لا جزءًا أصيلًا من المكان.
عندما تصبح حلقات العلم عبئًا على الإمام
في إحدى الحلقات التي حضرتها، كانت المعلمة تبذل جهدًا مخلصًا، تدفع من مالها الشخصي لتشجيع الحاضرات، و تلتزم بمواعيدها رغم غياب الدعم. ورغم حصولها على موافقة رسمية للحلقات، كان التكييف يُغلق عمدًا في توقيت الدرس، في تجاهل لا يخلو من التعمد. الإمام، الذي بيده مفاتيح كل ما يتحرك داخل المسجد، لم يمنع الدرس بشكل مباشر، لكنه لم يسهل الطريق أيضًا.
وكان ذلك كافيًا ليوصل لنا رسالة:
وجودكنّ غير مهم، أو على الأقل… غير مرغوب فيه.
عنف من النساء على النساء
لكن هناك وجه آخر، أكثر إيلامًا: العنف الذي تمارسه بعض النساء داخل المسجد على نساء أخريات. في بعض المساجد، تُستخدم لغة التخويف باسم الدين، تُمارس النصائح دون تأهيل أو رحمة، وتُستخدم الآيات كعصا بدلًا من نور.
مع الوقت، تتحوّل النساء في المسجد إلى نسخ متطابقة، لا مجال فيها للاختلاف أو التفكير أو طرح الأسئلة. يعتقدن أنهن يهتدين ويهْدين، لكن الواقع أنهن يُنفّرن كثيرات من التواجد في هذه المساحة.
العنف المبطن … الذي لا يُرى لكنه يُشعَر. النصيحة التي تُقال بابتسامة وتُخيف أكثر من الصراخ.
ظننت أنني تجاوزت هذه المراحل حين كبرت، حين أصبحت أملك “سلطة على نفسي”, لكنني فوجئت بخطبة جمعة يُحدّث فيها الشيخ عن النساء بلغة دونية، كأننا بلا عقل، بلا إرادة. ظننت هذا الخطاب انتهى في عصر الإنترنت، في زمن وجود مصادر أخرى للعلم… لكن يبدو أن الصوت العالي لا يزال له حضور.
هل أصبح العلم الديني أيضًا امتيازًا طبقيًا؟
في أماكن كثيرة، لا يزال إمام المسجد أو الواعظة هما المصدر الوحيد للفتوى، حتى وإن كانا غير مؤهلين. وفي المقابل، من تملك المعرفة أو اللغة أو الاتصال بعلماء أكثر انفتاحًا، تجد في الدين مساحة أرحم وأكثر إنسانية.
حضرت مرة درسًا لعالم مسلم يتحدث الإنجليزية، كانت الأسئلة حرة، والمكان مُرحّبًا، لكنني تساءلت بعدها: هل وُلدت هذه السعة من توفر الموارد؟ من الطبقة؟ هل يُتاح للمرأة في الأحياء البسيطة ما يُتاح لنظيرتها في دوائر أوسع تعليمًا ومالًا؟
هذه ليست دعوة للهجوم على منظومة المساجد، بل العكس تمامًا.
هي محاولة لاستعادة المسجد مساحة عامة للنساء، للتعلم، للسؤال، للإنتماء.
هي شهادة شخصية في وجه العنف المبطن، التمييز غير المعلن، والترهيب المغلف بالنصيحة.
هي محاولة لأقول ببساطة: أنا هنا، وللمسجد نصيب مني
.
مقال رائع جداً أحييك
الموضوع هذا يقهرني من صغري لأن للأسف لا يوجد من يهتم بأقسام النساء في المساجد ولا يسمح الدخول للمسجد إلا في صلاة التروايح أو العيد فقط ، يتم الحفاظ على قسم الرجال و نسيان قسم النساء الذي لا يفتح إلا كل سنة مرة