اولومبياد الحرب
ما بين غرب يستضيف الأولمبياد وشرق يستضيف ما أوشك أن يصبح حربًا عالمية ثالثة، لم أكن أتوقع هذا الكم من تناقض المشاعر في اليوم ذاته، ما بين احتفال بالإنسانية وغضب شديد من البشر في آنٍ واحد، لم أكن أتخيل أن أتواجد أنا في هذا العالم الذي يحمل كل هذا التناقض.
خلال الأسابيع الماضية، تابعت ما حدث في أولمبياد باريس على منصات التواصل الاجتماعي، وخصوصًا لحظات الفوز والهزيمة، وردود الأفعال بعدهما، وتفاعل الأهل والأصدقاء، والتنمر القائم على النوع، وبرود أعصاب المشارك التركي وتحول لحظة فارقة في أدائه الهادئ لـ"ميم" على منصات التواصل الاجتماعي وفي الأولمبياد، ولحظة هزيمة لاعبة الجودو اليابانية وصوت بكائها الشديد، ولحظة حصول مصر على أول ميدالية، ولحظة حصول الجزائر على أول ميدالية، ولحظة انحناء مشاركات الجمباز للفائزة البرازيلية بالإضافة إلى لحظات أخرى كثيرة تحمل الكثير من تعقيدات الإنسانية والشغف والتنافس والكرامة والنذالة في الوقت ذاته.
استوقفني قرار لاعبة الجمباز الأمريكية الموهوبة سيمون بايلز بالانسحاب من الأولمبياد بعد مشاركتها في أولمبياد طوكيو، حيث قررت الاعتناء بصحتها النفسية، إلا أن الصحافة مارست ضغطًا عليها واتهمتها بالتخاذل، لتتراجع عن قرارها وتنضم أخيرًا، ولكنها أعطت لنفسها فرصة للاهتمام بصحتها النفسية. أتخيل عالمًا يسمح للجميع بأخذ الاستراحة اللازمة للاعتناء بأنفسهم بدون الضغط الذي تفرضه المنافسة. كما شعرت بحزن شديد لما تعرضت له اللاعبة المصرية، التي هوجمت من البعثة المصرية لمجرد أن وزنها زاد بسبب دورتها الشهرية، حيث سمعت مكالمة من أحد مندوبي البعثة يتهمها فيها بأنها أخفت معلومات هامة. أتمنى لهذه الفتاة السلام النفسي الذي تستحقه بعد ما تعرضت له من تخاذل وقلة وعي واحترام للتعامل مع الموقف الذي مرت به وهدّد وجودها في منافسة أعتقد بأنها مهمة للغاية بالنسبة لها.
ما زلت أتساءل: هل من العدل أن يحظى البعض بفرصة إظهار قدراتهم في حدث عالمي بينما لا يحظى آخرون بأي فرصة تذكر في الحياة؟ في الوقت الذي كانت الجزائرية ايمان خليف تتوج فيه بالميدالية الذهبية وتسترد كرامتها على حد تعبير أحد الصحفيين وعلى حد تعبيرها هي ذاتها، وبينما نحن نخطف من العالم لحظة واحدة نشعر فيها بالعدل، استشهد حوالي مائة فلسطيني أثناء أداء صلاة الفجر!
كثيرًا ما تعجبت من الأمر خلال الأيام الماضية، وقلت في سرّي "ياه، سبحان الله، يشهد العالم حدثان في غاية الأهمية ولكنهما متناقضان تمامًا، أحدهما يحتفل بالحياة والآخر ينهيها".
هل أصبح من المعتاد أن يجتمع الاحتفال والحزن في لحظة واحدة؟ وهل أصبحنا على هذا القدر من المرونة النفسية لاستيعاب أن المشاعر يمكن أن تكون متناقضة إلى هذا الحد؟ يتنقل عقلي من فكرة جيدة لأخرى في منتهى السوء في نفس الدقيقة تحت تأثير منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتأرجح عقلي ما بين لحظة احتفاء ولحظات توثيق لما يحدث في العالم، وكأنه اعتاد كل هذا التناقض.
أدرك أنه من السذاجة أن يتمنى الإنسان عدلًا مطلقًا في هذا العالم، فهذا معناه الوحيد أن سنة الحياة قد انتهت. بيد أن هناك لحظات قليلة من العدل وإنكار الظلم، كأن يحظى العالم بأولمبياد ويتنافس الناس على أمر نبيل، مثل الرياضة والأدب والفن، أن يشعر أي إنسان بالحرية وألا تتعرض النساء لكل هذا العنف والتجريح أياً كان مظهرهم الخارجي، وأن يشعر الرجال بالقدرة على التعبير عن أنفسهم بالشكل الذي يرغبونه وبدون الخوف من آراء الناس وأحكامهم.