اليوم دوري في الكتابة… عن ماذا سأكتب؟ هكذا حدّثتني نفسي.
في الحقيقة، هناك الكثير من الحكايات والمواقف التي حدثت في حياتي خلال الأسابيع القليلة الماضية. أستطيع أن أكتب مقالات عدة لأرويها، لكن ما حدث في تونس هذا الأسبوع لم يكن سهلًا لكي لا أكتب عن الغضب الممزوج بالحسرة والحزن وفقدان الأمل، ثمّ الاستعاذة بالله من فقدان الأمل، ومحاولةٍ للتفاؤل مرة أخرى.
سقط جدار متهالك على ثلاثة طلبة في معهد ثانوي، فأودى بحياتهم إلى الرفيق الأعلى.
هؤلاء كانوا في سنتهم الأخيرة من المرحلة الثانوية، ربما يستعدّون لاجتياز الاختبارات، وإدخال الفرحة إلى قلوبهم وقلوب أوليائهم…
لا جدال في قضاء الله وقدره، والموت حق. لكن الجدال، كل الجدال، حين يصبح التنصل من المسؤولية هو الواقع اليومي، حتى يعتاد الجميع على الرداءة كأسلوب ومنهج.
جدار يوشك على الانهيار لم يصلحه أحد، بقي هكذا شهيدًا على التهاون، إلى أن استُشهد معه طلبة علم…
أتساءل بيني وبين نفسي في هذه اللحظات: ما هي ماهية الحياة إن لم نعمل لتغيير الواقع؟ لم نُخلق عبثًا لنأكل ونشرب ونتكاثر ونعمل من التاسعة إلى الخامسة فقط…
نسارع الخطى ونركض لنخطّط لمستقبلنا في خضم رأسمالية متوحشة، تقودها ثلة من فاحشي الثراء، يمتلكون ويسيرون الاقتصاد والإعلام الإلكتروني.
أتذكّر درسًا استمعت إليه ذات يوم، وبقيت كلمات المفكّر ترنّ في أذني: ”خلق الله الإنسان لعبادته، إعمار الأرض، وإقامة العدل فيها”.
فأين إقامتنا للعدل؟
ابن خلدون، العلّامة وأب علم الاجتماع، تحدّث عن خراب العمران في غياب العدل. كيف رضينا بالرداءة منهجًا؟
هل هو فشل جماعي أم نزعة فردية للنجاة دون تضحية؟ وهل تنفع تضحية دون جماعة؟
بقي من ابن خلدون فقط تمثاله في شارع الحبيب بورقيبة…
يحيط به أحيانًا أسلاك شائكة وسيارات الجيش ذات الدفع الرباعي بعد الثورة، ومن علمه ومقدمته بضع شعارات يردّدها أبناء بلدي بتهكم، كتلك عن النفاق أو مغادرة البلاد. نسينا مقدمته وثروته وكلامه عن العدل والإنصاف.
سقط الجدار، وسقطت معه آمال وأحلام الشباب، وهم المحرك الأساسي للأمل في المجتمعات. وما أحوجنا إليهم…
لا أحبّ التحسر المفرط دون فعل، لكنني أعلم أن الكثيرين يعملون بصمت في مجالات عدة، لوأد بذور اليأس وزرع الأمل.
وسيأتي أُكل هذه البذور ولو بعد حين، وكما نقول في تونس: ”ما يعجبك في الزمان كان طوله“