مطارات أوروبا: حتى الترانزيت ممنوع!
يُحكى أن رجلًا ما وزوجته أحبا أن يذهبا في رحلة إلى تونس لحضور مبارة في نهائي دوري أبطال أفريقيا. ينتمي كل واحد منهما إلى دولة في "العالم الثالث"، أي يحملان جوازات سفر لا تصل إلى أعلى المراتب من حيث "قوة الجواز"، ولكن ما المشكلة؟ تونس لا تتطلب جوازًا قويًا على أية حال.
مراعاةً لأحوالهما المادية، قررا حجز تذكرة منخفضة التكلفة، ووافقا على النزول في ترانزيت قصير في أوروبا، وعدم حمل الكثير من الحقائب التزامًا بما تفرضه هذه التذكرة، لا أكثر ولا أقل.
ترانزيت قصير في أوروبا، ثقيل على قلبهما خصوصًا بوجود طفل لم يكمل عامه الأول بعد، ولكن لا بأس طالما أن الكلفة بهذه الحسبة تظل معقولة ويمكنهما تحملها.
ترانزيت قصير، مرة أخرى، أي أنهما لا ينويان الاستقرار في أوروبا ولا تحميلها فوق طاقتها من البشر. الهدف هو الوصول إلى المباراة، ولم يفكرا في تحميل أوروبا مسؤوليتها عن استعمار بلاد الشرق ودعم كل ما يقوض حياة الناس فيها.
أقصد لم يكن هذا الهدف عندما حجزا التذكرة، ولم يختر أي منهما هذه الدولة بالذات نكاية فيها لما اقترفته من ذنوب بحق شعوب المنطقة، بل تعاملا مع شركة الطيران بحسن نية، وبرغبة بسيطة في التعاون قصير الأمد بهدف المساعدة في الوصول إلى المباراة بأقل تكلفة ممكنة لعائلة صغيرة من الطبقة الوسطى التي تصارع للبقاء في مكانها.
***
سألت موظفة الشركة عند تسجيل الوصول: وين رايحين؟ فقالا بأنهما يقصدان تونس، التي تشهد نهائيات دوري أبطال أفريقيا.
لم يبدُ الكلام مقنعًا: كيف تتوقفان في عاصمة أوروبية؟ اه وليس لديكما فيزا شنغن؟ تقصد بأنهما لم يقدما كشفًا لحساباتهما البنكية وما يكفي من إثباتات للدلالة على سعادتهما في بلدهما الأم لموظف يحمل في العادة نفس جنسياتهما ولكنه ينوب عن السفارة في إذلال المتقدمين. لم يسجلا كل بيانات العائلة للحصول على موعد لهذا الإذلال، وها هما يعتقدان أن بإمكانهما البقاء في مطار أوروبي لساعات معدودة قبل الوصول إلى وجهتهما.
حاولا إقناعها بأن الشركة لم تشترط حمل فيزا شنغن للترانزيت، أو على الأقل لم تكن هناك قواعد مكتوبة بهذا الشأن. ثم إنهما لا يحبان الاستمتاع بمطارات أوروبا، فهذه ليست من هواياتهما المعروفة، ولكن الرحلة كلها لم تكُن في حسبانهما، وأرادا أسرع وأرخص طريقة للوصول.
تونس كما تعرفين دولة عربية، تتطلب تأشيرة لبعض العرب ولا تتطلب للبعض الآخر، وهي دولة مذهلة على البحر الأبيض المتوسط، الذي ابتلع ما يكفي من البشر، ولكنه لم يُخلق لذلك بل خُلق للاستمتاع بجماله، وها هي تشهد مباراة لفريقنا المفضل، فكان اختيارنا أن نقصدها لكل هذه الغايات مجتمعة.
لم تقتنع، فحاولا مرة أخرى. سيدتي، حصلنا على تأشيرات في السابق من بلادكم الموقرة، وتحتفظون ببصماتنا في سجلاتكم، ولكننا لم نشأ أن نزعجكم بطلب جديد لنحل ضيوفًا على أراضيكم، فلتتركونا نمر من مطاراتكم مرور الكرام ولكم منا كل الشكر.
بدا لها كلامهما مشابهًا لثنائي آخر، وصفتهما على أنهما أيضًا مثل عصفورين واقعين في الغرام، لا تشير هيئتهما إلى أنهما من المعذبين في الأرض. قدما نفس الحجة قائلين بأنهما سافرا كثيرًا ولم يستقرا في أي بلد أوروبي بدليل الأختام الموزعة على صفحات جوازات السفر، ولكنهما ما لبثا أن وصلا إلى أول عاصمة أوروبية حتى افترشا الأرض وقدما للحصول على اللجوء السياسي غير آبهين بالثقة التي منحهما إياها موظف شركة الطيران.
تفهما تخوفها، وأكدا على أن ظرفهما مختلف. سيدتي، لا نعرف ظروف الثنائي الآخر، ولكن لا يعقل ألا يصدق شخص في أوروبا بأن هناك شخصين يرغبان في حضور المباراة وحسب، ويستغلان رخص التذاكر في عالم أصبحت تذكرة الطيران منخفض التكلفة أعلى من أي وقت مضى أساسًا.
لم تقتنع. قالت بأن الطريق إلى أوروبا متعبة، وهي بالفعل لا تريد لهما هذا الترانزيت المرهق مع طفل صغير، فاقترحت أن يذهبا إلى اسطنبول بدلًا من ذلك. ممّ تشكو اسطنبول؟ مدينة واقعة بين الشرق والغرب، لن يسبب الترانزيت فيها صداعًا لأي دولة أوروبية بالكامل، فاسطنبول لم تحسم أمرها بعد ولم تنضم للعائلة التي تخشى على تماسكها من الأغراب. لسان حالها يقول: اسطنبول جميلة وسوف ترحب بكما في مطارها أجمل ترحاب. هكذا تصلان إلى وجهتكما دون أي مشكلة، واستمتعا كما شئتما بالمباراة التي تدعيان أنكما ذاهبين إليها.
استغربا العرض، فالترانزيت في اسطنبول مدته أطول ولديهما طفل كما كان موضحًا في الصورة الحية الماثلة أمامها، ثم أليست هي من اقترح إلغاء الترانزيت لأجل عينيه؟
لا يوجد رد منطقي سوى أنهما شخصان غير مرغوب فيهما في القارة العجوز، التي تساعد بأموال التنمية في بلادهما بيد وتحطم فيها باليد الأخرى.
حسنًا ما العمل؟ لديها أخبار سارة للثنائي، ولكنها جاءت بعد زمن ليس بالقصير: ما رأيكما أن تذهبا إلى تونس مباشرة؟ لن تدفعا قرشًا واحدًا، سوف نغير طريقكما إلى هناك دون أن نحملكما التكلفة.
لا يمكنهما الاعتراض. فلتكن أوروبا قليلة الذوق مع الضيف، ما الذي يعنيمهما سوى الوصول إلى الوجهة النهائية؟
لحظة، هذا يعني أنهما أرادا توفير أكثر من نصف التكلفة من خلال الترانزيت، ولكنهما سيحصلان على رحلة أقصر وأفضل وتبلغ قيمتها الضعف دون أن يتحملا التكلفة؟ دون دفع قرش واحد إضافي؟
ياه. شكرًا أوروبا على قلة الذوق!