بحسب المعجم العربي، يعني اسم نهلة أوّل شربة من الماء.
نهلة هو اسم جدّتي، وهي أول معرفتي بالحب.
لا أذكر متى بدأت أناديها باسمها بدلًا من “تاتا”، ربما حين بدأت أراها كامرأة، لا كجدتي فقط. عندما نرى من نحبّهم بروحٍ أوسع، نستطيع حينها أن نرى حقيقتهم، فتسقط قيود الصفات والتسميات.
في طفولتي، كنا نسكن في العمارة نفسها، وكنت أصرّ على صعود السلالم لرؤيتها، رغم أنه كان أشبه بتسلّق جبل. كانت تسمع وقع أقدامي، فأسمع أنا صوت فتح الباب، وأراها تنتظرني بيدين مفتوحتين كسماء تتردد ضحكتها بين جدران العمارة، كأنها تسكنها.
أنجبت جدّتي أربع بنات، أنجبن بدورهن سبعًا، اثنتان منهن حملتا اسمها، لا لطبيعة الأحوال وضرورة العادة ، بل لزوم الحبَ. تحكي جدتي قصتها كل مرة وكأنها الأولى: كيف أُجبرت على ترك المدرسة رغم حبها لها، كيف كانت single mom في مجتمعٍ لم يمنح النساء حقّ الاختيار.
هل سيخيب أملكم، أيها القراء، إن علمتم أن نهلة لم تكمل تعليمها لاحقًا، ولم تعِش قصة حب أخرى، ولم تتزوج بعد رحيل جدي وهي في مقتبل العمر؟
لا تعرف نهلة المصطلحات الأجنبية، لكنها كانت تعرف كيف تُنبت من الصخر أزهارًا مختلفة، سقتها بمائها، فحملت كل واحدة منها لونها وشكلها وعطرها. تقول لي دائمًا إن قلبها قد أرهقه الحب، لكنها لا تتعب من الطبخ لمن تحب، ولا من الدعاء لهم، ولا حتى من الدعاء على من يكره من تحب.
تارةً تعتزّ بأنها لم تضع قط أحمر الشفاه أو البودرة بعد وفاة جدي، وتارةً تفتخر بأنها استطاعت أن تختار رغم القيود والخوف.
في كل مرة أردتُ فيها التخلّي عن قناع الجدية والنضوج، أخلع ثوب المسؤولية لبضع ساعات وأذهب إليها، هناك أعود إلى النهر الأول، إلى البيت الأول، و الرشفة الأولى.
في بيت نهلة، الأبواب مشرّعة دائمًا، للنوم، للأكل، لاستعارة الثياب. وغالبًا ما ستخرج منه، وهديةٌ ما في يدك.
Such an incredible article by a very talented writer!
رائعة